هل نتائج العلوم التجريبية دقيقة ويقينية؟
مقالة جدلية حول العلوم التجريبية باك 2025
مرحباً بكم زوارنا الكرام في موقعنا ثقافة قلم دوت كوم يسرنا بزيارتكم أن نقدم لكم مقالة جدلية حول العلوم التجريبية تحليل نص السؤال الفلسفي هل نتائج العلوم التجريبية دقيقة ويقينية؟
الإجابة الصحيحة هي كالتالي
هل نتائج العلوم التجريبية دقيقة ويقينية؟
أولا: مقدمة: طرح المشكلة:
إذا كان المنهج التجريبــــي هو الطريقة التي يتبعها العلماء في تحليل وتفسير الظواهر الطبيعيــــــــة انطلاقا من الملاحظة التي هي تركيز الحواس والعقل والشعور صوب الظاهرة ومتابعة تغيراتها بهدف تفسيرها مرورا الفرضية التي هي تفسير عقلي مؤقت للظاهرة، يحدد الاسباب الممكنة التي تكون وراء حدوث الظاهرة وصولا إلى التجربة هي اعادة الظاهرة في ظروف اصطناعية، يحضرها العالم نفسه، بغية الوصول إلى القانون العلمي، فإن هذا المنهج أحدث جدلا بين مختلف العلماء وفلاسفة العلم حول النتائج المُتوصل إليها في العلوم التجريبية. بين من يقول بإمكانية الوصول إلى اليقين في البحث العلمي وبين من يلح على النسبية في نتائج العلم ومنه نطرح التساؤل التالي: هل نتائج العلوم التجريبية دقيقة ويقينية أم نسبية احتمالية؟ هل العلوم التجريبية تعتبر علوما صارمة في تطبيق المنهج التجريبي، ودقيقة في استخلاص نتائجها؟
ثانيا: محاولة حل المشكلة
الموقف الأول: يرى العقلانيون وأنصار الحتمية أ أن نتائج العلم دقيقة ويقينية، لأن الظواهر الطبيعية تخضع لقوانين صارمة مبدأ الحتمية فنفس الاسباب تؤدي حتما الى نفس النتائج مهما تغير الزمان والمكان أمثال: "جون ستيوارت مل" أن النتائج التجريبية تعبر عن الحقائق العلمية الأكثر دقة وموضوعية، أي أن النتائج المتوصل إليها عن طريق المنهج التجريبي قوانين دقيقة ويقينية، وهذا نتيجة اعتمادها المقياس الصارم، الذي لا يقرر حقيقة إلا إذا أكدتها وبرهنت عليها التجربة، كما أن النتائج التجريبية تصاغ في أحكام كمية رياضية حتى تبتعد عن الوصف والكيفيات التي تثير الالتباس والغموض، ومن ثمة تضمن الدقة والاختصار واليقين، وأحسن تعبير عن ذلك ما نجده في النموذج الفيزيائي وما حققه من يقين في منهجه ولغته ونتائجه فصار من أرقى العلوم دقة، وكل هذه الخصوصية في النتائج التجريبية هي التي فتحت للإنسان آفاق المستقبل، وإمكانية التنبؤ بالظواهر قبل حدوثها.
ووفقا لمبدأ الحتمية المطلق يمكننا التنبؤ حينها بحدوث الظواهر وقوانينها وهي الغاية التي يسعى إليها العلم. نفس الرأي ذهب إليه بوانكاريه الذي يؤكد على أن العلم يخضع لمبدأ الحتمية المطلق وهو ما يجعل الحقائق المتوصل إليها تتصف بالدقة واليقين، لأن العالم الذي لا تسوده الحتمية حسب بوانكاريه هو عالم موصد في وجه العلماء، لأن العلم حتمي بالبداهة. وهو ما جعل "لابلاص" يضع هو الآخر كامل ثقته في مبدأ الحتمية ويؤكد بثبات الشروط والأسباب وبالتالي الثقة التامة في المنهج التجريبي وما ينجم عنه من نتائج وقوانين إذ يقول: "يجب أن نعتبر الحالة الراهنة للكون نتيجة لحالته السابقة وسببا لحالته التي تأتي من بعد ذلك مباشرة".
وما يؤكد ذلك أن لكل ظاهرة سبب ادى الى حدوثها، وانطلاقا من مبدأ السببية العام ومن خلال معرفتنا للأسبـــــاب (الاحكام الجزئية) يمكننا استخلاص القواعد العامة (الاحكام الكلية) دون الرجوع الى التجربة ومنه صياغة القانون العام، مثال. الذهب يتمدد بالحرارة +النحاس+ الحديد+ الفضة = كل المعادن تتمدد بالحرارة. قاعدة عامة يقينية، والتنبؤ بهذا المعنى يكون دقيقا. أيضا مثل التنبؤ بظاهرة الكسوف– الماء يغلي بالضرورة في 100°. ويتجمد بالضرورة في 0° ولا شك في ذلك ولا وجود للصدفة (فالصدفة خرافة اخترعت لتبرير جهلنا) يقول لابلاص :{لو أن عقلا تطلع في لحظة ما على سائر القوى التي تحرك الطبيعة وعلى الحالة الخاصة بالكائنات التي تؤلفها. لا بل لو كان له من السعة ما يستطيع به أن يُخضع هذه المعطيات للتحليل لاستطاع أن يلم في قاعدة واحدة بحركات أكبر الأجسام في الكون وبحركات أخف الذرات فلا شيء يكون محلا للارتياب بالنسبة إليه ويكون المستقبل والحاضر ماثلين أمام عينيه}
النقد: لكن ورغم ما قدمه أنصار هذا الاتجاه من أدلة وحجج لتبرير موقفهم، إلا أن الملاحظ أن هذا الموقف المتعصب للنتائج التجريبية والناظر إليها على أنها حقائق دقيقة ونهائية، هو موقف لا يتناسب مع الروح العلمية المعاصرة التي تقوم على أساس الإيمان بمبدأ النسبية، لأن علمنا ليس كاملا ولا تاما، بل يمدنا فقط بحقائق تقريبية، من جهة أخرى نجد أن تاريخ العلم لا يعبر عن حقائق مطلقة وثابتة، بل يعبر عن أخطاء أولى وجب النظر إليها وإعادة تصحيحها حسب رأي "غاستون باشلار" وفق مقاربات جديدة وباستمرار، وكل هذا يثبت أن نتائج الدراسة التجريبية نسبية وتقريبية. كما أن معطيات العلم في القرن العشرين وما أحدثته من ثورة على المفاهيم السابقة، ابتداء برفض مبدأ الحتمية المطلق والنتائج المطلقة واليقينية والثابتة، والأخذ بمبدأ الاحتمال والنسبية في الدراسة العلمية ونتائجها، والابتعاد عن هالة المطلق والنتائج اليقينية وبالتالي توجيه البحث العلمي إلى فهم نظام الأشياء واستخلاص النتائج بقدر الإمكان. لأن العلم مجال مفتوح ولغز متجدد باستمرار.
الموقف الثاني: يرى أنصار الموقف الثاني أو لنقل العلم الحديث والمعاصر أن هذه النتائج التجريبية وحقائقها ليست يقينية بل تبقى نسبية تقريبية فقط، فهي نتائج احتمالية وغير مضمونة الدقة، وتصير النتائج مجرد احتمالات ترجيحية. لهذا يؤكد أصحاب هذا الموقف أن منطلقات الدراسة الاستقرائية غير المؤكدة، وغير المعللة علميا هو الذي يبرر نسبية النتائج، والشك فيها أحيانا، إذ أن البحث العلمي يعتمد على الاستقراء الناقص الذي ينتقل من الحكم على الجزء إلى الحكم على الكل، فلا يجوز بناء قواعد عامة من أحكام خاصة -ما يصدق على الجزء قد لا يصدق بالضرورة على الكل. يقول "كلود برنار": "يجب أن نكون حقيقة مقتنعين بأننا لا نمتلك العلاقات الضرورية الموجودة بين الأشياء إلا بوجه تقريبي كثيرا أو قليلا، وأن النظريات التي نمتلكها هي أبعد من أن تمثل حقائق ثابتة"
فكل الدلائل في الواقع تؤكد أن عالم الأشياء الحسية متغير باستمرار، ونسبي، ولا ثبات له، وهذا يعني أن ما نصل إليه من نتائج علمية تبقى نسبية لا يمكن تعميمها، ولا الجزم بأنها تبقى كذلك، لهذا يقول "غاستون باشلار": "إن العلم الحديث هو في حقيقته معرفة تقريبية". حيث يرى "باشلار" أيضا أن العقل العلمي يصير متطورا باستمرار، يمارس الهدم والنفي ليعود إلى البناء والتأسيس من جديد. فمعارف الأمس هي أخطاء اليوم ومعرفة اليوم هي أخطاء الغد.
وهذا ما رسخته بالفعل: ميكانيكا الكوانتم التي تؤكد حقيقة أن النتائج التجريبية نسبية تقريبية فقط. ومن أنصار هذا الموقف أيضا "ماكس بلانك" الذي أكد أن الذرة تصدر الطاقة في شكل صدمات غير منتظمة يصعب معها التنبؤ الدقيق وفق مبدأ الحتمية مما يجعل المعارف العلمية تقريبية نسبية وليست مطلقة ثابتة، بالإضافة إلى قصور أدوات الباحث المستخدمة في المنهج التجريبي خاصة إذا كنا بصدد دراسة الظواهر المتناهية في الصغر أو ما يعرف بعالم "الميكروفيزياء" أو "الفيزياء المجهرية"، فحركة الجسيمات لا يمكن ضبطها بأدوات القياس نظرا لرهافتها، وهذا ما يؤدي إلى نتائج تقريبية غير دقيقة، لذلك نجد العالم الفيزيائي "هيزنبرغ" سلم بذلك عندما قال: "كلما تم التدقيق في موقع الجسم كلما غيرت هذه الدقة كمية حركته، وبالنتيجة سرعته، و كلما تم التدقيق في قياس حركته كلما التبس موقعه، لذلك تصعب معرفة موقعه وسرعته في زمن لاحق" وربما هذا الذي جعله يؤكد على أن: الفيزياء المعاصرة تعتمد على مبدأ اللاحتمية الذي يطلق عليه علاقة الارتياب..".
قانون السرعة لا يمكن تطبيقه لقياس دوران الالكترون حول النواة، لأن دورانه عشوائي ذو سرعة فائقة حوالي 7 مليار د/ثا، ولا يمكن التنبؤ بمساره وكأنه يختار الطريق بنفسه، الفعل تلقائي يؤثر على دقة التنبؤ، ولهذا تتميز التنبؤات بالأرصاد الجوية احتمالية وتقريبية وغير دقيقة، و كثيرا ما أخطأ العلماء في انزال المركبات الفضائية على سطح القمر بعشرات الأمتار، عن المكان المحدد نظريا، كما أن الكون يتميز بالتغير المستمر يتعذر معه ضبط ظواهره في قوانين ثابتة فالكون يتميز بالسيرورة لذلك يقول هيروقليدس:" لا يمكن أن تنزل الى النهر مرتين"، وأخيرا فان قصور الوسائل المستخدمة في القياس والملاحظة يؤدي الى عدم بلوغ الدقة في النتائج.
النقد: لكن ورغم ما قدمه أنصار النزعة المعاصرة من حجج لتبرير موقفهم القائل بالنسبية، إلا أنه لا يمكن التسليم بصحة رأيهم مطلقا. فالواقع وتاريخ العلم يثبتان ذلك. ألا يكون إنكار مبدأ الحتمية المطلق إنكار للعلم ودقة نتائجه؟ ألا يكون هذا عائقا أمام تحقيق غاية العلم وهي التنبؤ؟ ولقد أدت التقنيات الحديثة الى إزالة فكرة العشوائية في ظواهر الميكرو فيزياء، وأصبح الانسان قادرا على تفسيرها بقوانين خاصة والقول بعدم مشروعية الاستقراء يوقعنا في الشك المطلق في كل ما انجزه الانسان من نظريات علمية.
التركيب: إن العلوم المعاصرة اليوم لجأت إلى الاعتماد على مبدأ الاحتمالات، خاصة بعد التطور الذي خضعت له الفيزياء المعاصرة، لذلك اعتمد العلماء على هذا المبدأ في عالم الميكروفيزياء، أو عالم الظواهر المتناهية في الصغر، لأنها لا تقبل مبدأ الحتمية المطلقة، لكن هذا لا يمنع من تطبيق هذا المبدأ في عالم الماكروفيزياء، فالبحث العلمي المعتمد على المنهج التجريبي الاستقرائي أكد قدرته على تقديم اجابات كثيرة عما يشغل الانسان لكن رغم كل هذا تبقى نتائجه تتميز بالنسبية.
الرأي الشخصي: أما من وجهة نظرنا فان الظواهر الطبيعية تتميز في ذاتها بالحتمية ونفس الاسباب تؤدي الى نفس النتائج لكن معرفة الانسان تتميز دائما بالقصور حيث لا يمكنه الإحاطة بكل اسباب الظاهرة مما يجعل المعرفة الانسانية معرفة نسبية وهذا ما يؤكد عليه فلاسفة العلم المعاصرين أمثال أنشتاين.
ثالثا: حل المشكلة: ختاما ومما سبق نستنتج أن أي بحث علمي لا يخرج عن نطاق التسليم بخضوع الظواهر لمبدأ الحتمية، والتطور الحاصل في الفيزياء المعاصرة لا يرفض فكرة الحتمية ويهدمها، لأنها مبدأ علمي تقوم عليه الدراسات التجريبية يمكننا من الوصول إلى نتائج علمية، بل يرفض التسليم بأنها مطلقة وتؤدي إلى نتائج مطلقة لا تتغير، فنظريات الذرة في الفيزياء الحديثة لا تهدم مبدأ الحتمية، وإنما تهدم فكرة القوانين الصارمة الأكيدة أي تهدم المذهب التقليدي، كما لا يمكن الحديث عن الدقة المطلقة في العلوم التجريبية مادام الاستقراء ناقصا والنتائج نسبية، لكن يمكن الحديث عن تطور مستمر لهذه العلوم ، فكلما تطورت وسائل الملاحظة والتجربة كانت النتائج اكثر دقة ويقينـا.